القاهرة- قلق متزايد بات يحاصر سوق الإنشاءات المصري، جراء ارتفاع أسعار مواد البناء بنسب كبيرة، دفع المعنيين لمطالبة الحكومة بالتحرك والمواجهة في ظل استمرار الحرب الأوكرانية الروسية وارتفاع سعر الدولار، مما قد يؤدي إلى آثار سلبية على السوق.

وتوقع مختصون -تحدثوا للجزيرة نت- ركودا في سوق الإنشاءات وتضرر المشروعات الكبرى ومواعيد التسليم المقررة والعمالة الضخمة وارتفاع أسعار مواد البناء، مؤكدين أن الجميع يترقب القادم بقلق.

ووفق تقديرات غير رسمية فإن السوق العقاري أحد القطاعات الداعمة للاقتصاد، حيث يساهم بأكثر من 18% في الناتج الإجمالي المحلي ويساهم في توفير أكثر من 5 ملايين فرصة عمل.

ضربة للسوق

أستاذ التمويل والاقتصاد دكتور أشرف دوابة يرى أن سوق الإنشاءات في مصر لن يتحمل ارتفاع سعر مواد البناء وموجة الغلاء، وسيتأثر سلبا، خاصة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى قرار التعويم الجزئي للجنيه، وزيادة قيمة الدولار.

ويوضح دوابة أن سوق الإنشاءات من القطاعات الأفقية التي يمتد تأثيرها إلى كافة القطاعات الأخرى، في ظل وجود عمالة كبيرة به وموارده الكثيرة التي تمس قطاعات اقتصادية عديدة، مما يعني أن ضرب هذا السوق بمثل تلك الارتفاعات في مواد البناء ضرب لباقي الأسواق، إذ إن أي تضخم في أي قطاع يمتد لباقي القطاعات.

ويشير إلى أن موجة الغلاء ستؤثر على المشروعات الكبرى ومواعيد التسليم المقررة في ظل احتكار مؤسسات الدولة لقطاع البناء منذ فترة طويلة ومنع البناء، بالتزامن مع احتكار قلة لسوق الحديد والإسمنت، بجانب قدوم أزمة التعويم الجزئي للجنيه مما يفتح المجال أمام الكثير من الاحتمالات.

وأكد الخبير الاقتصادي أن مصر ليست بعيدة عن الأزمة الدولية، ولكن الوضع الداخلي ضاغط وله اعتبارات يجب التعامل معها لتوفير شبكة حماية للمواطنين.

وبحسب مصدرين في مجال التطوير العقاري والإنشاءات تحدثا للجزيرة نت، فإن ارتفاع مواد البناء سيطيح بآمال السوق العقاري لفترة ليست بالقليلة، مؤكدين وجود توابع سلبية على المجال برمته.

وأكد مطور عقاري -تحفظ على ذكر اسمه- أنه منذ الارتفاعات اتخذ المستثمرون العقاريون اتجاها لإنهاء الإنشاءات المعدة للتسليم على نطاق سريع تحت ضغط الالتزامات والمواعيد المقررة سلفا، لكن المشاريع التي لم يقترب موعد تسليمها فإن الاتجاه هو إبطاء العمل أو التوقف مؤقتا لحين رؤية ما هو قادم، وهو ما يؤثر بالسلب على المشروعات الكبرى ومواعيد التسليم البعيدة.

وأضاف أن الركود العقاري سيكون ثمنا لذلك الارتفاع، وهو ما سيؤثر سلبا على العمالة بلا شك، ويزيد من البطالة، في ظل عدم توافر بدائل أمام المستثمرين لتغطية الغلاء في السوق إلا بالتحميل على المواطن الذي بدوره سينتظر لحين انكشاف الأمور أكثر له.

وتوقع مستثمر عقاري -طلب عدم ذكر اسمه- أن ترتفع أسعار العقارات وشقق التمليك أو الإيجار وفق القانون الجديد في ضوء موجة الغلاء التي ضربت كل شيء، لكنه لا يستبعد أن يلجأ البعض لما وصفه بـ "حرق الأسعار" لتوفير سيولة مالية في ظل موجة الغلاء.

ارتفاع جنوني

وخضع سوق الإنشاءات والإسكان الفترة الأخيرة لضربة وصفت بالقاسية جراء رفع أسعار الحديد والإسمنت، حيث وصل سعر طن الحديد إلى أكثر من 18 ألف جنيه للطن (الدولار يعادل نحو 18.3 جنيها) كما ارتفع سعر طن الإسمنت لما يقرب من 1500 جنيه في قفزات متتالية غير مستقرة منذ بداية الشهر الجاري.

وبعد رفع مفاجئ واستثنائي للفائدة من قبل البنك المركزي، هبط الجنيه فجأة أمام الدولار منذ يوم الاثنين 12 مارس/آذار.

وبررت شركة "حديد عز" للصلب صاحبة الحصة السوقية الأكبر تلك الزيادة في الأسعار بأنها "تأثر بالقرارات الاقتصادية الأميركية بحظر النفط الروسي مما ساهم في صعود المعادن عالميا بشكل قوي".

وكان سعر طن الإسمنت حتى يونيو/حزيران الماضي 2021 يتراوح ما بين 800 و850 جنيها، في حين زاد سعر الحديد مع بداية الشهر الجاري 3 آلاف جنيه دفعة واحدة.

ووصفت موجة الغلاء الحالية تحت قبة مجلس النواب بـ "الجنونية". وطالب أشرف أمين، العضو، في طلب إحاطة قدمه قبل أيام إلى رئيس مجلس الوزراء ووزراء آخرين، الحكومة، بالإسراع في مواجهة "الارتفاع الجنونى في أسعار حديد التسليح والإسمنت".

وأكد النائب أن "ارتفاع أسعار الحديد والإسمنت ستكون له آثاره السلبية على حركة التشييد والإسكان والبناء" وفق ما نقلته صحف محلية.

وجاء الارتفاع في أعقاب نصائح رسمية متكررة منذ أواخر العام الماضي بإيداع المصريين أموالهم بالبنوك، والاستفادة من فوائدها، بدلا من ضخها في بناء العقارات.

وطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة بوقف الاستثمار في سوق العقارات، ووضع الأموال في البنوك والاستفادة من عوائدها.

وأعرب عماد سعد حمودة نائب رئيس حزب "مستقبل وطن" المقرب من السلطة ورئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب عن قلقه على سوق العقارات في ظل ارتفاع الأسعار خاصة مواد البناء بجانب الموجة التضخمية العالمية.

وجاءت تصريحات حمودة في فعاليات المنتدى البرلماني الثاني للهيئة البرلمانية لحزبه، أكد خلالها أنه ينتظر "جهود الحكومة لمواجهة زيادة أسعار مواد البناء".

غرفتا مواد البناء والتطوير العقاري، من جانبهما أقرتا بالأزمة وفق تصريحات رسمية، وأكدتا أهمية التحرك والمواجهة.

وصرح رئيس غرفة صناعة مواد البناء أحمد عبد الحميد بأن ظروف التشغيل والنقل والخام فرضت نفسها على الأسعار على جميع الصناع سواء كان حديدا أو إسمنتا أو غيرهما.

وأعلنت غرفة صناعة التطوير العقاري من جانبها أنها في حالة انعقاد مستمرة لفترة 3 أشهر للتخفيف من "وطأة الأزمة" بحسب بيان رسمي.

وفي تصريحات إعلامية، قال رئيس الغرفة ووكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب طارق شكري "أسعار العقارات ارتفعت بسبب ارتفاع أسعار مدخلات الصناعة وتغير سعر الصرف، بعد أن ارتفعت أسعار الحديد بنحو 40% والإسمنت بنحو 50%" وأثر سعر الدولار على الكثير من الأشياء المستوردة مثل الألمنيوم وغيرها من الأدوات.

وكشف شكري أن كل عناصر التشطيب ارتفعت بنسبة تقارب الحديد والإسمنت، مما استدعى إعادة التسعير طبقا للوضع الجديد حيث توقف البعض عن البيع لحين استقرار الأوضاع، والبعض الآخر أعاد التسعير طبقا لقراءته.

وكانت غرفة صناعة التطوير العقاري وشعبة الاستثمار العقاري رفعت قبل أيام مذكرة موحدة إلى مجلس الوزراء تتضمن 5 مطالب لمواجهة آثار الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار مواد البناء.

ومن ضمن المطالب منح مهلة 3 شهور لكافة المشروعات العقارية، وذلك لمنح الشركات العقارية فرصة لتقييم الوضع وآثاره عليهم، وتنظيم الخطوة المقبلة في هذه المرحلة الهامة، وإلغاء رسوم الإغراق على الحديد حتى لا تكون هناك شبهة احتكار وارتفاع للأسعار أكبر من المعطيات الخارجية والزيادات العالمية، وتفعيل مبادرات التمويل العقاري من خلال تبسيط الإجراءات.