القدس- عكس قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تجميد "صندوق أبراهام" الذي دشّنه سلفه دونالد ترامب في سبتمبر/أيلول 2020، توجّه البيت الأبيض لطي صفحة رئيسه السابق وأثره في الشرق الأوسط، وصياغة سياسة خارجية أميركية جديدة في المنطقة، وفقا لمحللين إسرائيليين.

وعند انطلاق صندوق الاستثمار، بشراكة أميركية إسرائيلية إماراتية، عقب إبرام "اتفاقية أبراهام" (اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان)، أُعلن في أكتوبر/تشرين الأول 2020، توفير أكثر من 3 مليارات دولار "لتعزيز التعاون الاقتصادي وتشجيع الازدهار في الشرق الأوسط وخارجه"، ودُعيت الدول الشريكة لدفع هذه الأهداف إلى الأمام.

وكانت صحيفة "غلوبس" (Globes) العبرية، قد كشفت الأربعاء أن إدارة الرئيس بايدن علقت، حتى موعد غير محدد، أنشطة "صندوق أبراهام".

وبرأي المحرر الاقتصادي في الصحيفة داني زاكين، فإن قرار البيت الأبيض تجميد أنشطة الصندوق، يعني أن إدارة بايدن، ورغم تصريحاتها الداعمة للتطبيع، فإنها لن تخصص الميزانيات لدعم صندوق الاستثمارات المرافق "لاتفاقية أبراهام"، والذي كان حافزا لانضمام المزيد من الدول إلى اتفاقيات التطبيع.

تجميد وتداعيات

ويعتقد زاكين أن تجميد أعمال صندوق الاستثمارات سينعكس سلبا على مشاريع التطبيع الاقتصادي والتجاري التي أُطلقت بين الدول المطبعة. ومن شأنه أيضا، أن يعلّق أية مشاريع مستقبلية للتبادل التجاري والاقتصادي.

ولفت المحرر الاقتصادي إلى أن الصندوق، وبعد 3 أشهر من انطلاقته، عالج مئات الطلبات لتمويل مشاريع تجارية مختلفة، وصادق على 11 مشروعا في مجالات الطاقة والنفط، وصناعة المحتوى والتكنولوجيا.

وتشير خطوة إدارة بايدن، حسب زاكين، إلى أن واشنطن معنية، من خلال السياسة الخارجية الجديدة بالشرق الأوسط، بتقديم الدعم السياسي والدبلوماسي لمسار التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، بما في ذلك السعي لجلب المزيد من الدول العربية إلى هذا المسار، بيد أن رصد الدعم المالي الأميركي للمشاريع التجارية والاقتصادية غير وارد. وعليه، تم تجميد أنشطة الصندوق إلى أجل غير مسمى، في خطوة أولى نحو إلغائه كليا.

وأوضح زاكين الذي كشف النقاب عن تجميد صندوق "أبراهام" نقلا عن مصادر أميركية وإسرائيلية، أن هذا الإجراء سيبقي على التطبيع بين الأنظمة على غرار اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر والأردن. وهو ما يتعارض مع الأهداف المعلنة "لاتفاقية أبراهام".

ورأى أن تجميد صندوق الاستثمارات سيغلق باب المبادرات وسيمنع انضمام المزيد من كبرى الشركات لمشاريع تجارية. علما أن إدارة الصندوق تلقت طلبات انضمام من مؤسسات مالية أميركية أبدت استعدادها للاستثمار فيه ومضاعفة رأس ماله.

واستذكر المحرر إعلان أبو ظبي في مارس/آذار الماضي عن تدشين "صندوق إماراتي إسرائيلي للاستثمار"، على أن ترصد له ميزانية أولية بقيمة 10 مليارات دولار. وأتى هذا الإعلان بعد أن اتضح توجّه إدارة بايدن لعدم دعم أية مشاريع تجارية واقتصادية في إطار اتفاقيات التطبيع.

وعلى الرغم من الإعلان عن الصندوق المشترك بين أبو ظبي وتل أبيب، فإنه لم يسجّل حتى الآن خطوات عملية على صعيد الاستثمار الإماراتي في إسرائيل.

صندوق أبراهام أُسس لدعم اتفاقيات التطبيع السياسية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية (الأوروبية)

نهج جديد

وعن أسباب ودوافع إقدام إدارة بايدن على هذه الخطوة، يرى الصحفي الإسرائيلي المتخصص بالشؤون العربية والفلسطينية يواف شطيرن، أن الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة بالسياسة الأميركية الجديدة تجاه الشرق الأوسط، والتي ما زالت تتبلور وتعيد رسم تحالفاتها ومصالحها من خلال إدارة ملفات عدة، سواء الحرب على غزة، أو الملف النووي الإيراني، أو الأحداث باليمن وسوريا والعراق.

ويقول الصحفي الإسرائيلي، للجزيرة نت، إن قرار تجميد صندوق الاستثمار يندرج ضمن محاولات طي إرث ترامب ونهجه وممارساته، وسعي الرئيس بايدن لتمييز نفسه وبلورة سياسة واضحة واعتماد نهج دبلوماسي جديد، ووضع إستراتيجيات وأولويات مخالفة تماما لسياسة سلفه.

وحسب شطيرن، فإن تجميد أنشطة صندوق الاستثمارات قد يبقي على "ميزة السلام البارد" في اتفاقيات التطبيع، على غرار اتفاقيات السلام الإسرائيلية مع مصر والأردن، مرجحا أن الإجراء الأميركي قد تتبعه سلسلة خطوات للبحث عن مصادر للتمويل، وتوسيع دائرة التطبيع بإشراك المزيد من الدول، في محاولة للدفع نحو مسار "السلام الاقتصادي".

مدير المعهد الإسرائيلي "ميتفيم" نمرود جورن: تأسيس الصندوق جاء أيضا لدعم نتنياهو في أزمته السياسية (الجزيرة)

مصالح وأهداف

ويتفق نمرود جورن، مدير المعهد الإسرائيلي "ميتفيم" المتخصص بالسياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط، مع طرح الباحث شطيرن. ويعتقد أن إدارة بايدن أقدمت على هذه الخطوة لأن تأسيس الصندوق من قبل ترامب، أتى بشكل سريع، ودون دراسة عملية، وبلا أهداف واضحة. كما أنه جاء لدعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان يواجه أزمة سياسية أطاحت به بعد 12 عاما بالحكم.

وعن مستقبل "اتفاقية أبراهام" في ظل التوجه الأميركي الجديد، يقول جورن للجزيرة نت، إن "اتفاقيات التطبيع الرسمية لا تكفي لبناء علاقات طبيعية بين الشعوب، فهذا يتطلب علاقات على مستوى المجتمع المدني، وتشكل بنية تحتية بشرية للأنشطة المشتركة..".

ويعتقد مدير المعهد الإسرائيلي، أن تجميد صندوق الاستثمارات لن يؤثر على علاقات التطبيع والسلام بين الأنظمة، لكنه "سينعكس سلبا على حجم التعاون التجاري والاقتصادي بين إسرائيل والأنظمة العربية المُطبّعة".